الخميس، 2 مايو 2013

ماذا يخطر في بالك ؟!






 سألني أحدهم مرة، كيف يكون الزحام فارغاً هكذا ؟! 
فأجبته: ربما لأن لا أحد ينتبه إليك، ولهذا السبب وُجد فيسبوك.


مواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك خاصةً يمنحك شعوراً زائفاً بالنجومية ويضفي عليك أهمية ويجعلك تتعامل مع نفسك كـ "سوبر ستار" والباقون هم جمهورك المهووس الذي ينتظر حضورك بشغف ونهم.



لحظة دخولك على الموقع وحينما تلمح مربع "ماذا يخر في بالك ؟!" الأبيض، تجتاحك رغبة عارمة بأنه ينبغي أن تكتب شيئاً ما هنا، شيئاً يدل على مدى ثقافتك العالية في الفلسفة و الفنون، كم أنت واعي حاضر الذهن متابع للأحداث الجارية، كم أنت خفيف الظل ساخر تميت جمهورك ضحكاً، كم أنت حكيم تتمثّل أقوال السابقين من الفلاسفة، شيئاً يدل على ذوقك الموسيقي الرفيع، وتذوقك لفن السينما والأفلام،هنا تسرّب شائعات و أخباراً مُشينة عن أعدائك، تطلق التصريحات شديدة اللعنة بشأن انتصارك في معاركك الشخصية والعامة. نعم ينبغي أن تكتب شيئاً ما في هذا المربّع الأبيض الصغير، كفراش أبيض لغانية تتهيأ لاستقبال زائر ليل، ثم تنتظر الزوّار. 



ها أنا دخلت لعالمي بالغ الاصطناع، نعم؛ سأعتصر مخي كثيراً لكن ينبغي أن أبدو أكثر عفوية وطبيعياً تلقائياً. ينبغي أن أعلن كم أنا سعيد، غارق في الحب و البهجة، راضيا رضاء الزاهدين عن حياتي، و لكن مهلاً! لا ينبغي أن يستمر هذا طويلاً، أحياناً ينبغي أن أبدو غامضاً مثيراً للاهتمام، أن أقذف بالرموز التي تجعل الجميع يتساءلون ماذا تقصد، ينبغي أحياناً أن أكون مُربكاً ومُحيّراً، لا بأس من أن أبدو من وقت لآخر مكتئباً قليلاً لأعرف من سيهتم حقاً أن يسأل عمّا بي، فأتبيّن الأصدقاء الجديرين بالتواصل الإنساني. من وقت لآخر سأدلي بدلوي في البيولوجيا الجزئية وعلم النفس والاجتماع، في نظريات الانفجار العظيم والأكوان المتوازية، في فنون الرينيسانس وما بعد الحداثة، سأحاكم الحكومة والامبريالية ولا سيما البرجوازية ولا ضرر أن ألعق الاشتراكية واتحدث دوما عن الفقراء وملح الأرض، و أسبّ الرئيس ومن يرؤسه الرئيس ، سأشنق من لا يروق لي، ثم أعلن كم أحب الوطن وأمرره في "ستاتس" منمقة يزفها السلام الجمهوري، وقبل أن أفعل كل هذا ينبغي أن أبدو جذاباً، فأنا فنان واعد لديه تلامذة وحواريين، مريدين  وأتباع، هؤلاء الذين يحملون جماجم نيّئة فوق أكتافهم، ينبغي أن أستغلّهم على ما أشعره نحوهم من احتقار مطلق، ينبغي أن أستفيد بوجودهم لأبدو أكثر شعبية، لا مانع من أن أستغلّهم ببراءة لإثارة غيرة البعض، ثم أعود وأبدو أبيّاً رافضاً متواضعاً لأحافظ على آخر قشة تربطني بالفضيلة كما يعرفونها، و لو بالادعاء، أحد الأشخاص ينازعني ببراعة في هذا الشأن، لا ينفك عن نشر رسائل الاستغاثة، وهو جالس على كرسي يتجرع المزيد من الكافيين كي يبقى حاضر الذهن ويؤدي دوره على مسرح التواصل بإتقان!، يوم انزلقت قدمي نحو واقع عبثي وكان هو من أول من مر على عنقي وتجاهلني كذبابة صيف تثير ازعاجه، لم احتاجه ولم اطلب ذلك، ربما أردت أن يكتبني، أن يمرر اسمي ضمن نداءات استغاثته، ربما.

  المظهر هو كل شيء هو ما يهم، ، ينبغي أن أبدأ في رسم صورتي، أن أعمل على تكوين صورة ذهنيّة لي في رؤوس الناس، لهذا أضع كل هذه الصور السعيدة الطافحة بالبهجة الموحية بالإبداع، والمبهمة في معظم الأحيان، إذا كنت إحداهن وفي مجتمع عنصري ضد النساء ينبغي أن أحمي نفسي، أن أبتذل نوعاً من الشخصية الرّجالية، ينبغي أن أبدو ذكوري المظهر، ذكوري الفكر والتوجه، ذكورية الطابع، نعم. ينبغي أن أخفي جيداً كم أنا قبيح ومتآكل من الداخل والخارج، و الأهم؛ ينبغي أن أسخر من آلام الناس كي أشعر بشعور طيب نحو آلامي، لا أريد أن أتعذب وحدي، هذا ليس عدلاً، ينبغي أن أهدم هذه الأسطورة الذاتية، هذا الجميل البارد كنمثال في متحف الشمع، المتلفّع في ثوبه الثمين الأبيض العاري، أصبح وجود ذلك المربع المجرّد يثير غيظي، أراه يقف بابتسامته الناعمة في ثقة، فيتفجّر حنقي، قطعة لحم بيضاء شهيّة يسيل لعابي لتمزيقها إرباً، كعكة تفاح جاهزة للقضم، أعوي كذئب بري جائع اهتاجت معدته برائحة الدم الذي يسيل من جروح أظافر قدمي فريستها الحمراء، وسأدعو رفاقي بكل كرم إلى الوليمة. في هذا المربع الأبيض الصّغير أحيا و أموت، أحب و أكره، أحارب و أنتصر، دائماً أنتصر، لأنني سيّد اللعبة، يستحيل أن أنهزم، فأنا من أدير كل شيء. 

 ينبغي أن أكتب شيئاً ما هنا، أي شيء، ينبغي أن أكتب شيئاً في هذا المربّع الأبيض الصغير، كفراش أبيض لغانية تتهيأ لاستقبال زائر ليل، ثم أنتظر الزوّار، و الزائرات. أنا محموم، محموم، محموم.

.In Relationship

 قبل التحام فيسبوك بحياة كل منا، كان من النادر أن تجد اثنان يعلنان ارتباطهما هكذا بالصور على الملأ، بل أن تعلن فتاة أنها مرتبطة من الأصل حتى ولو لم تقل بمَنْ. اليوم أصبح  الأمر اعتيادياً، ولكنه يحمل الكثير من الآثار الجانبية للحياة الاجتماعية المتزمتة شديدة الانغلاق في مجتمعنا والتي لا تخلو من داء النميمة. فما إن تنتهي العلاقة، حتى يبدأ الجميع في التحدث عن الطرفين بطريقة مشينة، و يهنيء أصدقاء كل طرف بخلاصه من الطرف الآخر، كنوع من التضامن المعنوي مع الصديق أو الصديقة. آخرون يضعون صورهم معاً في حالة عناق، أو متماسكي الأيدي. هذا شيء يبدو صحياً وجميل، أن تخرج العلاقات العاطفية في مجتمعاتنا المتخلفة الظلاميّة المكبوتة من الظلام إلى النور، لكنه يحمل على الجانب الآخر مظهراً من مظاهر عدم النضج، فكلا الطرفين يتسرعان بتخيّل أنهما سيكونان أسعد زوجين بعد بضعة أشهر من بدء العلاقة. التبادل العلني العارم للعواطف يجعلها مهترئة كالعملة الورقية من فرط ما تداولتها الأيدي، هذا الابتذال المميت أصبح مثيرا للسخرية، فالحب كما الحياة، كلاهما ليس درامياً إلى هذا الحد. تجد الشاب يومياً على صفحة صديقته يجلس مترصدا و مترقباً يكتب لها تحت كل حرف تعليقاً، ليثبت وجوده في حياتها بكل الطرق الممكنة أمام جميع من يعرفونها وأمام نفسه، كما الكلب يحدد منطقته برشرشات البول المتفرقة المتتالية في أكثر من موضع حتى تشم الحيوانات الأخرى رائحة سيطرته على منطقته، فلا تقترب. أسلوب بدائي نصف حيواني. آمنت بعمق أن العلنية و التباهي المبالغ فيهما جزء من تصرفات المراهقين عاطفيا والمفلسين اجتماعيا الذين لا يمتلكون أدوات العطاء الحقيقي للشريكة، و أن الصياح والزيطة والجلبة هي عزاء من لا خبرة لديهم بالحياة، وحياة من لا حياة لهم، فيملأون فراغ حياتهم المُطبق معدوم الفعل بهلوسات الظهور، بلا أي امتداد واقعي في الحياة الحقيقية.

 الناضجون الصادقون هم من يترفعون عن عرض تفاصيل حبهم على الشعب. من يحبون حقاً لا يبتذلون حبهم بعرضه أمام الغادي والرائح، بل يظل محفوظاً كاللآلئ الثمينة في نطاق صفووي نخبوي من وسط العائلة الضيّق و الأصدقاء المقرّبين. المشاعر الحقيقية غير المزيفة حزناً كانت او حباً تملأ المرء بالرضا الصامت، فالسعداء لا يتحدثون عن سعادتهم بهذا الابتذال، و لا يثرثرون بها في كل فرصة تسنح فيما يشبه توزيع علكة للمضغ ليكون مصيرها في النهاية هو البصق، ولا يعلنون عن ممارساتهم العاطفية بإطلاق الصواريخ النارية هنا وهناك وفي كل مكان، بينما يعوي المرتبكون و الخائفون والمزيّفون والمجوّفون بما معناه: "أنظروا إلينا أرجوكم، فنحن سعداء! سعداء للغاية! نحن متحابين سعداء!" في تمثيلية متصلة بلا هوادة. و في نهاية اليوم بعد أن تفرغ كل بطاريات الألعاب المتحركة و تنطفيء أنوار الصواريخ النارية، تبدو كل هذه العواطف المعلنة سمجة وسخيفة ومبتذلة ورذيلة ومثيرة للاستهزاء ولا تحتمل.

 العارفون بالمحبوب يصمتون صمت العارفين، صمت الفاهم الحكيم، الذي يرفض أن تبتذل عواطفه المقدسة، لتهبط من قصرها الذهبي، إلى ألسنة العامة من أراذل الناس فيلوكونها كالحلوى الرخيصة بالنقد أو بالاستحسان. حتى هؤلاء الذين يحبون حقاً حين يقررون الزواج، لا يقيمون حفلات زفاف ضخمة ليبهروا بها الآخرين ليشتروا رضاهم الاجتماعي، بل يقيمون أبسط حفل زفافٍ ممكن، بل لا يقيمون زفافاً من الأصل. بينما لا يملك صبية السذاجة، والأصدقاء في دائرتهم المتواضعة، و غيرهم من المراهقين ذهنياً ونفسياً، أي شيء حقيقي ليقدموه للشريكة، فكل ما يملكون تقديمه للشريكة هو بعض الكلام وبعض الفرقعات هنا وهناك بعد أن ينتهي المهرجان، وتنطفيء مصابيح الطريق، و تنتزع الأقنعة الحريرية من فوق الوجوه، ويعود المحتفلون ثملين مترنحين إلى بيوتهم، و يكنس الكناسون أوراق التيجان الورقية الملونة و شرائط الساتان الحمراء الخضراء الملقاة في كل مكان، تنغلق الأبواب على السعداء والتعساء على السواء، دون أن يعرف أحد ماذا يدور وراء كل باب و نافذة. 


هناك 5 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. << إبداع ..حقيقي>> ...علماً بأنني إبتذلت هذة الكلمة << إبداع>> ..من فرط مارددتها ..ك..ك..مجاملة إجتماعية .._لم يعد لدي المزيد لامن الوقت ولا من السعة لخلق المزيد من الأكاذيب ..واللغو بالمزيد من الهراء_ _فالأسمي الأشياء بمساميتها الحقيقية_ ...علماً بأنني إبتذلت هذة الكلمة << إبداع>> ..من فرط مارددتها..<> ..ولعل مافية بعض العزاء لي أنني في خضم بحر نفاقي لم أقرن أو أصف _يوماً_ لفظتي الإبداع ..بالحقيقي ..إلا هذة المرة ..أ.محمد ..إبداع حقيقي ..رائقة ..صافية ..نابعة من القلب.

    ردحذف
  3. اسمحلي منك ..أ.محمد سأنشرها علي صفحتي .

    مجنون الأمل ...أحمد علي

    ردحذف